السير في دوائر (حالة فلسطينية).


 

السير في دوائر  (حالة فلسطينية).

| يوسف يعقوب

أن تحمل المعنى الكبير للموت وتدرك مدى هزالة الحياة أمرٌ صعب، لكن ما هو الموت  بالنسبة لي؟!، بالنسبة لشابٍ يرى الموت بشكل يومي، ما هو الموت بالنسبة لشخصٍ يضع في حساباته أنه سيموت بعد قليل، وإن إجتاز البعد قليل هذه يعيد نفس الحسابات من جديد ويسير في دوائر الموت ويخمن، أيٌ من هذه الدقائق المقبلة ستكون بمثابة شاشة سوداء.

هل هنالك مكان للأمل وللصدفة؟!.

إذا كان يوجد أمل فلماذا يسوء الأمر أكثر فأكثر!، وإذا كان يوجد صدفة فلماذا لا تصدف بي الحياة ويتحول الحال إلى أمل كبير يغير مجرى الطريق ويكسر حلقات الدوائر اللانهائية؛ ليستقيم الطريق وأرى جيداً دون إنحناءات لعينة في الطرق تحجب الرؤية، لا أرى شيء سوى زاوية الإنحناء والذي يمثل فقط جزءً من يومي، ولا يمكن أن ترى بعد ذلك أي شيء آخر من مستقبلك المهمش الذي يغطيه جدار فولاذي سميك بإرتفاع يعلو جميع أحلامك البسيطة المحطمة. تقف لوهلة في دائرتك اللعينة لتضرب رأسك الهش في الجدار السميك بقوة فاجعة من اليأس الذي أحاط بك في دوائر محكمة لا خلاص منها، تبقى تضرب رأسك في الجدار إلى أن يسيل منك دماء العجز، العجز في تقرير المصير والحرية الضائعة خارج أسوار الدائرة.

أنت تريد الحياة ولكن لا تخشى الموت، تريد الوصول إلى نقطة لم تصل إليها من قبل في دائرتك المحدودة، وإن أتى الموت ترحب به بكل سعة صدر؛ لأنك تعلم حتمية الحياة وتعلم أنه سينتهي كل شيء يوماً ما.

تربط أقطار الدائرة ببعضها؛ لتصنع طرقاً جديدة لمواصلة العيش على نحوٍ جيد، تصنع الكثير في وسط المستحيل والممكن فيه صعبٌ للغاية، تتمركز وسط الدائرة حاملاً عظامك المنهكة من الدوران في حلقات فولاذية عملاقة، تنسجم مع أفكارك الحالمة التي تمتطي ظهر عصفورٍ يُغرد في سماءِ الأمل، تُغلق دوائر الشؤم المظلمة وتبقى واضحاً وسط دائرة فيها الشمع مُضيء والوقت يذوب، عليك الإسراع قبل الذوبان العظيم والظلام المستدير، هذه الأعماق تصبح جحيماً تدريجياً.

لا نهايات محتملة في الدوائر، لكن نهايات كالموت موجودة بكثرة، بعضنا إختار الموت بنفسه ولم يحتمل، ضعفاء بلهاء، تسليم الجسد لمرتفع أو لحبل أو لرصاصة، تسليمه إلى الهاوية اللعينة، عبارة عن موت مضاعف، نحن لا نكتب النهايات، الهرب مما كُتب هو الذهاب إلى مرحلة أصعب من مرحلة أقل صعوبة قد ضعفت بها وأنهيت أمر نفسك.

هذه البلاد التي لم أتوقع في حياتي أن تحصل بها هذه المصائب الشنيعة، أَعلم جيداً إذا حدثت هذه الأمور على أرض مقدسة كهذه يصبح الظلم يخنق الأبرياء بأيدهم نفسها، هنا عالمي ينتهي، إختياراتي تتوقف تفكيري يتعطل وكل شيء يُظهر قبحه المختبئ في أرواحٍ سوداوية، المدينة خائفة والمخيمات ترتعش وكل شيء أصبح مصلوباً على حافة الموت الوشيك، لا توجد فرضيات وإحمالات ولا أصوت للوقت وللحياة التي تختفي شيئاً فشيئاً في عيون الجميع، أصبح كل شيء باهتاً وشاحباً كلون جثةٍ سقطت منذ ساعات، لكن حتى لو كُنت لا ترضى لا تفعل، هذه مجازفة خارج أرواحنا النظيفة، إذا كانت هذه دوائر فأنت إنسان ولديك القدرة على إحتمال مقاصد الحياة التعجيزية، إنها مسألة تحتاج إلى عمق مناسب كي تزرع بها السكينة والتفكير السليم لتخرج من هذه المعضلة اللاإنسانية.

 السير في دوائر ليس كل شيء، هناك السير إلى الخلاص عبر باب الصبر.

 

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال