غسان كنفاني - صوت فلسطين الأبدي.

 


| يوسف يعقوب  

إن ما يجعل غسان كنفاني من وجهة نظري مقبولاً في العالم وفي الوسط الفلسطيني خاصةً هي تجربته الكاملة كفلسطيني ذاق منذ الطفولة مرارة اللجوء والتشريد حين هجروه وأهله من مدينته يافا إلى مخيمات الشتات المؤقتة في لبنان.

هو يشبه الحالة الفلسطينية بكل مكوناتها، فمن الصعب أن لا يجتاح قلوب الفلسطينيين الذين يعيشون ما يكتبه هذا الرجل العظيم.

حيث إنعكست تجربته كلاجئ فلسطيني ومناظل على أعماله الأدبية.

حياته حافلة بالنضال والأدب، هذه التجربة الشخصية التي عاشها كانت حجر الزاوية في كتاباته، حيث إستطاع أن يترجم معاناة الشعب الفلسطيني إلى أعمل أدبية مؤثرة، وهذا الجانب من طبيعة تفكيره التي نحاول أن نلقي الضوء عليها كانت تشكل له إلتزاماً أخلاقياً وواجب وطني في تجلياته الأدبية.

الإلتزام بالقضية، حيث لم يكن كنفاني مجرد كاتب، بل كان ناشطاً سياسياً وعضواً في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، هذا الإلتزام انعكس بشكل واضح في أدبه، فجعل القضية الفلسطينية محوراً لأعماله.

إن أهم العناصر التي تميز أعمال غسان كنفاني هي الواقعية والرمزية، حيث تميز أسلوبه بالواقعية، حيث ينقل صور حياة اللاجئين في المخيمات بكل تفاصيلها وآلامها وفي الوقت نفسه، استخدم الرمزية للتعبير عن المعاني العميقة والكامنة والكشف عن طبقات المجتمع الفلسطيني.

وتميزت أعماله بالشخصيات النمطية، قدم كنفاني شخصيات نمطية تعكس مختلف شرائح المجتمع الفلسطيني، من الثائر إلى اللاجئ المهزوم المكلوم، ومن المرأة المناضلة إلى الطفل الواعي بقضيته.

إذا أردنا حصر أعظم أعمال غسان كنفاني، فمن الصعب حصرها، فكل عمل له قيمته الفنية الخاصة، إلا أن بعض الروايات والقصص القصيرة تبرز بشكلٍ خاص.

مثل : رواية عائد إلى حيفا، هذه الرواية تروي قصة عودة اللاجئين إلى مدينتهم المُحتلة، تناول فيها موضوع الهوية والإنتماء، ومن أبرز إقتباسات الرواية تأثيراً هو حينما قال:  أتعرفين ما هو الوطن يا صفية؟ الوطن هو ألا يحدث ذلك كله.

إن تأملنا هذا القول نجد مدى عمق وأصالة الحديث الفلسطيني في هذا الحوار، وأمنيات ورغبات الفلسطينيين، في هذه المقولة نرى شكل التمرد على الواقع والرغبة في عدم حصول هذه المأساة الحاصلة ويرمي بهذا الثقل إلى إتجاه الواجب والإحساس بالمسؤولية إتجاه الشعب الفلسطيني من طرف قيادات العمل الوطني بأن يحرصوا على الحفاظ على الشعب ومقدراته.

تشعر بأنه يكتب لكل بيت في هذا الوطن الحزين.

وفي رواية أرض البرتقال الحزين، هذا الرواية تسلط الضوء على حياة الأطفال في المخيمات وتصور معاناتم النفسية والإجتماعية، ليضع كنفاني في هذا العمل هموم أطفال فلسطين في وعي الفارئ فلسطينياً كان أم لا.

ورواية رجال في الشمس، التي تعكس حقيقة دوماً ما يغفل عنها الجميع في شرح وتوضيح شكل الأزمة الواقعية التي تتفشى في المجتمع الفلسطيني، من وجهة نظري تتمثل هذه الحقيقة في الخلاص الفردي والهروب من الواقع الفلسطيني الذي يثقل كاهل الجميع، وتسليط الضوء على أسباب هذه المأساة، حيث علق السبب على القيادات العاجزة والقيادات الخائنة، والتفريط في الأرض والهجرة، الرغبة في الهجرة وترك أرض الوطن المنكوب، ليبرع كنفاني في تجسيد شخصيات الرواية المحورية بأروع حالة وأصدق وصف وتفصيل.

والقائمة تطول ولا تقصر، غسان كنفاني هو وجدان الفلسطينيين صوتهم.

كنفاني ليس مجرد كاتب، بل هو وثيقة تاريخية، أدب كنفاني يعد وثيقة تاريخية مهمة، حيث يسجل معاناة الشعب الفلسطيني ونضاله الطويل ليشكل الرواية الفلسطينية التاريخية ويحفرها في عقل العالم، أن هناك شعب مظلوم ولابد أن يسترد أرضه وحقه.

كاتب وقاص مثل غسان كنفاني تسبب بمضايقة الإحتلال منه ومن أدبه ونضاله السياسي ليقرر العدو الغاشم أن يغتال قلمه الحر في بيروت صباح السبت 8 يوليو 1972م عند الساعة العاشرة والنصف، بعد أن إنفجرت عبوات ناسفة كانت قد وضعت في سيارته تحت منزله مما أدى إلى استشهاده مع إبنة شقيقه لميس حسين نجم 17 عاماً.

قلم غسان كنفاني كان قادراً على مضايقتهم وجعلهم يتخبطون، هم يخافون من فوهتين، فوقهة البندقية وفوهة القلم الذي كان كحد السيف عليهم، إنهم أجبن من أن يقفوا في وجهك ونظروا مباشرةً في عينيك الفلسطينية الثائرة ويقتلوك.

وفي الختام، غسان كنفاني ليس مجرد كاتب، بل هو صوت الشعب الفلسطيني الذي لن يسكت، أدبه خالد وسيظل شاهداً على نضال الشعب الفلسطيني وحقه في العودة إلى أرضه.

 

 

 

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال